تعرف على تقاليد و عادات عاشوراء في المغرب
![]() |
أجواء عاشوراء في المغرب |
تتخلل عاشوراء ممارسات دينية روحية تتنوع بين الصيام والزكاة و الصدقات كاقتناء الألعاب و الملابس لأبناء المحتاجين، و احتفالات تجسد عادات متوارثة أهمها "الشعالة" والمفرقعات، حيث تتحول عاشوراء إلى تظاهرة مجتمعية شاملة يعيشها الكبير والصغير كل بطريقته.
في هذا المقال، نُسلط الضوء على مظاهر احتفالات عاشوراء في المغرب، ونتوقف عند أغرب وأجمل تفاصيلها المتجذرة في الوجدان المغربي.
ما هي عاشوراء؟ الخلفية الدينية والتاريخية للاحتفال
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري، ويكتسب قدسيته من مجموعة من الأحداث الدينية، أبرزها نجاة نبي الله موسى من فرعون، بحسب الرواية الإسلامية، وقد حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم على صيام هذا اليوم، ودعا المسلمين إلى ذلك، خصوصًا بعدما علم أن اليهود يصومونه شكرًا لله.
في المغرب، رغم أن المناسبة دينية في أصلها، إلا أن المغاربة أضفوا عليها طابعًا احتفاليًا وثقافيًا خاصًا، فأصبحت مناسبة متعددة الأبعاد تتنوع بين الصيام والزكاة من جهة، وبين الطقوس الشعبية والفرجة من جهة أخرى، و في هده الممارسات الغنية تتجلّى خصوصية عاشوراء المغربية.
كيف يحتفل المغاربة بعاشوراء؟ عادات وتقاليد فريدة عبر المدن
يمتد الاحتفال بعاشوراء في المغرب لأيام، تبدأ من ليلة التاسع من محرم وتستمر حتى اليوم الحادي عشر، كما تختلف العادات من مدينة لأخرى، لكن يجمعها الفرح العام، تعززه الطبول، و نقر البنادر، و يتخلله تبادل التهاني.
في القرى والمناطق الجبلية، يتم إشعال النيران وإحياء طقوس الشعالة، حيث يقفز فوقها الأطفال فرحين مبتهجين، فيما تُقام التجمعات النسائية لطبخ أطباق خاصة بالمناسبة، أما في المدن الكبرى، فتُزخرف الساحات بالأضواء وتُباع الألعاب التقليدية للأطفال في كل زاوية، و هده الألعاب تبقى من السمات المميزة لهده المناسبة.
طقوس “الشعالة” و”زمزم” ليلة عاشوراء: مزيج من النار والماء
من أغرب الطقوس المرتبطة بعاشوراء في المغرب طقس "الشعالة"، حيث يقوم الأطفال بإشعال النار في الأزقة، في مشهد احتفالي يعج بالأهازيج والفرح، و يتسابقون في القفز أعلاها، و يربط بعض الباحثين هذا الطقس بعادات الأمازيغ في الاحتفال بالمناسبات الموسمية.
![]() |
زمزم في عاشوراء |
أما "زمزم"، فهو طقس رشّ الماء على بعضهم البعض، ويُقال إنه يرمز إلى التطهّر، والتبرك بماء زمزم، على غرار ما يقوم به الحجاج، و تنتشر هذه العادة بين الأطفال والفتيات خصوصًا، وتُخلق أجواء مرحة في الأحياء المغربية.
عاشوراء وفرحة الأطفال: اقتناء الألعاب المتنوعة
تُعد عاشوراء مناسبة استثنائية للأطفال، حيث تُقتنى لهم الدمى والطبول الصغيرة المعروفة محليًا بـ"البندير"، إضافة إلى الأقنعة التنكرية، حيث ينتظر الأطفال هذا اليوم بشغف كبير لما يحمله من مرح وحرية.
في بعض المناطق، ينظّم الأطفال مواكب صغيرة يقرعون فيها الطبول ويغنون أهازيج عاشورائية، مثل "عاشور عاشور… الماء والشعلة والنور". هذا المزيج من الغناء الشعبي واللعب الجماعي يساهم في ترسيخ الطقوس في ذاكرتهم الثقافية.
الأكلات التقليدية في عاشوراء: ما الذي يميز المائدة المغربية؟
تحضر العائلات الأطباق المغربية التقليدية بقوة في عاشوراء، حيث تجهز العائلات أطباقًا مميزة مثل الكسكس بسبع خضار، أو الدشيشة باللحم، وأحيانًا الرفيسة بلحم الدجاج البلدي في بعض المناطق الأخرى، تُعتبر هذه الأطباق رمزًا للتقارب الأسري والبركة.
تُخصّص بعض العائلات ليلة عاشوراء لتوزيع الأطعمة على الجيران والفقراء، في طقس جماعي جميل يعكس روح التضامن، كما يتم طهي الأطعمة بطرق تقليدية تُعيد إحياء نكهات الماضي، في جو مفعم بالحنين والدفء.
شراء "الفاكية" في عاشوراء
![]() |
اقتناء الفواكه الجافة في عاشوراء |
طقوس الزكاة والتبرع في عاشوراء: بين الدين والتكافل الاجتماعي
يرتبط يوم عاشوراء بممارسة الزكاة والصدقة، حيث يحرص العديد من المغاربة على إعطاء "عشا عاشوراء" للفقراء والمحتاجين، و يعتبرون ذلك من الأعمال المستحبة التي تُقربهم إلى الله وتزيد في البركة.
إضافة إلى الزكاة، تنتشر مبادرات محلية تتمثل في تنظم تبرعات بتوزيع الملابس و الألعاب على أبناء المعوزين، أو تقديم أكلات تقليدية جماعية للفقراء في الأحياء الشعبية، وبهذا، يتجاوز الاحتفال بعده الديني، ليصبح مناسبة للتكافل والتراحم داخل المجتمع المغربي.
الجانب الصوفي لعاشوراء في المغرب: الحضرة والذكر والمواسم
تحتفل الزوايا الصوفية في عاشوراء من خلال تنظيم ما يعرف ب"الحضرات" و"المواسم" التي تُقام في بعض المدن كفاس، ومراكش، وتارودانت، و تتخلل هذه المجالس أذكار جماعية، وتواشيح، ومدائح نبوية تعبر عن حب الله والرسول.
في بعض الزوايا، يُقام "الموسم السنوي" تزامنًا مع عاشوراء، حيث يتوافد المريدون من مختلف المناطق للمشاركة في الذكر والصلوات، و يُعتبر هذا الجانب من الاحتفال إحياءً للروحانية والتصوف المغربي العريق.
عاشوراء في المدن المغربية: بين فاس ومراكش والرباط والبيضاء
فاس: روحانية الزوايا وظلال جامع القرويين
و يقصد الكثير من الناس جامع القرويين العريق، الدي يعتبر أقدم جامعة في العالم، إما لأداء الصلاة أو حضور الدروس الدينية، كما تشتهر فاس أيضًا بطقوس رشّ الماء "زمزم" في الأزقة القديمة، وهو ما يعتبره البعض رمزًا للطهارة الروحية والاجتماعية في يوم مبارك كهذا.
مراكش: نيران الشعالة وأصداء الطبول قرب جامع الكتبية
و يُلاحظ وجود الحشود تتبادل التهاني، كما تنتشر عربات بيع الطبول والألعاب في كل ركن من المدينة، حيث أن عاشوراء في مراكش تُجسد اندماج البهجة الدنيوية مع الرمزية الدينية، في توليفة لا تتكرر إلا في هذا الوقت من السنة.
الرباط: روح العصر والتاريخ في أحضان قصبة لوداية
الدار البيضاء: نكهة عصرية لاحتفال تقليدي
في الدار البيضاء، تكتسي عاشوراء طابعًا عصريًا دون أن تفقد جذورها الشعبية، تشهد أحياء مثل درب السلطان، الحي المحمدي، والبرنوصي مظاهر قوية للاحتفال، حيث تنتشر الطبول، والألعاب المختلفة، ومواكب الأطفال التي تجوب الأزقة.
في الأسواق الكبرى مثل درب غلف، و درب عمر و كراج علال تزداد حركة تجارة الألعاب بصفة عامة و التقليدية خاصة، حيث ترى الأسر تتسارع في اقتناء الألعاب لأطفالها، و عموما فالبيضاويون ما زالوا يحرصون على إحياء مظاهر الفرح، من خلال المشاركة المجتمعية والاحتفالات العائلية.
هل تتغير تقاليد عاشوراء مع الزمن؟ نظرة على جيل اليوم
مع التطور الحضري وانتشار التكنولوجيا، بدأت بعض مظاهر عاشوراء في التراجع، خصوصًا طقوس "الشعالة" أو الألعاب النارية التي أصبحت مرفوضة أمنيًا، لكن رغم ذلك ما تزال الكثير من الأسر تحرص على تمرير التقاليد للأبناء.
جيل اليوم يحتفل بعاشوراء بطرق مختلفة، كالمشاركة في حملات خيرية أو نشر صور الطقوس على مواقع التواصل، وبين الحنين إلى الماضي والانفتاح على العصر، تبقى عاشوراء موعدًا سنويًا يعيد للمغاربة ارتباطهم بهويتهم.
الخلاصة
تمثل عاشوراء في المغرب أكثر من مجرد عادات و تقاليد بمناسبة دينية، بل هي امتداد حيّ لذاكرة ثقافية واجتماعية غنية ومتشبعة بالقيم والتقاليد، من طقوس الأطفال إلى حضرات الزوايا، ومن المائدة المغربية إلى طقوس الشعالة والماء، تتداخل في عاشوراء أبعادٌ روحية وشعبية تُجسّد خصوصية و تقاليد و ثقافة و هوية المملكة المغربية العريقة.
رغم تغير الأزمنة، ما تزال هذه المناسبة تُعيد التأكيد سنويًا على أن الهوية المغربية نابضة، ومتجددة، ومتجذّرة في عمق التاريخ والدين والإنسان.
كيف تحتفلون أنتم بعاشوراء في مدينتكم؟ شاركونا هده الطقوس من خلال التعليقات