أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

عادات وتقاليد مكناس: بين التصوف، والاحتفالات الفريدة

تعرف على عادات وتقاليد مكناس المتجذرة بين أهلها

عادات وتقاليد مكناس: بين التصوف، والاحتفالات الفريدة
الجدبة العيساوية

تعد مدينة مكناس من أعرق المدن المغربية، تقاليدها فريدة بكل المقاييس، تختلف عن تقاليد باقي المدن، فهي متشبثة بعادات الأجداد والأسلاف، بطابع صوفي وروحاني، خصوصًا خلال المناسبات الدينية.

تتمثل هذه التقاليد في ممارسة شعائر وعادات فريدة، خاصة بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وعيد الفطر وعيد الأضحى.

لكن ما يميز المدينة أكثر، هي الطقوس التي تدور رحاها في بعض أضرحة "الأولياء الصالحين"، ومن بين أبرزها نذكر ما يلي:

الطقوس الخاصة بضريح الولي الصالح "الشيخ الهادي بنعيسى"

يُعد ضريح الشيخ الهادي بنعيسى من أهم المزارات الدينية، ويحج إليه الآلاف من الزوار، من بينهم أتباع الطريقة العيساوية وغيرهم من عامة الناس.

في هذا الضريح تبدأ طقوس "الجذبة العيساوية"، وسط اعتقاد سائد بأنها تساهم في تخفيف مكابدة الحياة، وفك السحر، والحسد، والعين.

وتُحمل الهدايا إلى الضريح، وتتم ممارسات رمزية من أبرزها:
  • السير حفاة نحو الضريح بلباس أبيض
  • ترديد الأذكار والقيام بالجذبة
  • طلب البركة والشفاء
  • دعوات للزواج، الإنجاب، وفك النحس

الطقوس المرافقة بضريح "الشيخ الكامل"

بعد الانتهاء من زيارة ضريح الشيخ الهادي بنعيسى، تتوجه الحشود مباشرة نحو ضريح الشيخ الكامل.

هناك، وعلى إيقاع "الغيطة" والطبل، يردد المشاركون اسم الجلالة "الله"، ويضربون صدورهم، ثم يهرعون جريًا إلى داخل الضريح ليشرعوا في الجذبة الصوفية وترديد الأمداح الروحانية الخاصة.

الطقوس بضريح الولي "سيدي علي بنحمدوش"

بعد ختم طقوس الجذبة، تواصل المجموعات مسيرتها نحو ضريح سيدي علي بنحمدوش، الكائن في قرية سيدي اعلي بن حمدوش بضواحي مكناس.

وهناك كانت تُقام طقوس غريبة، من بينها حضور مجموعة من المثليين الذين يعتقدون أنهم "أبناء لالة عيشة"، والتي يقال إن قبرها يوجد قرب الضريح.

وتُعرف هذه المناسبة بظهور ممارسات الشعوذة، رغم رفض مريدي الزاوية الحمدوشية لتلك التصرفات، مؤكدين أن التقرب إلى الله هو الهدف الأصلي، وليس الخرافات.

لكن هده التصرفات تم القضاء عليها مند سنوات بفضل تدخل السلطات مؤخرًا، و تم الحد من هذه الانحرافات والحفاظ على الطابع الصوفي التراثي للمناسبة.

تقاليد وعادات أهل مكناس في رمضان والأعياد الدينية

أجواء رمضان في مكناس

يمر شهر رمضان المبارك في مدينة مكناس في أجواء روحانية تعبق بالإيمان والسكينة، و مع اقتراب موعد الإفطار، تمتلئ المساجد بالمصلين، حيث يحرص المكناسيون على أداء الصلوات وخاصة التراويح بالمساجد في جوّ إيماني يجمع بين الأصالة والالتزام، و يلبس الرجال والنساء والأطفال اللباس التقليدي المغربي، كالجلباب والبلغة والقفطان، في مشهد يعكس تعلق المدينة بأصالتها الدينية.

أجواء رمضان في مكناس
مائدة إفطار رمضانية

تتميز ليالي رمضان بتبادل الزيارات العائلية بعد الإفطار، حيث تتقوى الروابط العائلية و صلة الأرحام وتنتعش العلاقات الاجتماعية، كما يشتهر أهل مكناس بكثرة أعمال البر والصدقات خلال هذا الشهر، إذ تنظم جمعيات ومبادرات شبابية لتوزيع قفف الإفطار على المحتاجين، وهو ما يجسد قيم التكافل والتراحم التي يتميز بها المجتمع المكناسي.

أما مائدة الإفطار، فهي لوحة شهية من الأطباق المغربية التقليدية، حيث لا تغيب أبدًا:
  • الحريرة الشهيرة، بجانب الشباكية والتمر والحليب
  • أطباق السمك المقلي والكبد والكفتة وطاجين الخضر أو اللحم
  • مشروبات طبيعية منعشة مثل عصير البرتقال والليمون، إلى جانب الفطائر المحلية التي تُعدّ خصيصًا للشهر الفضيل.

أجواء عيد الفطر 

مع حلول صباح عيد الفطر، يستيقظ سكان مكناس على أجواء مفعمة بالفرح والبهجة، يتوجه الجميع إلى المصلى الكبير لأداء صلاة العيد، رجالًا ونساءً وأطفالًا، وكلهم في أبهى حلة، كما يرتدي الأطفال ملابس جديدة ملونة، وتحمل وجوههم علامات السعادة، حيث ينتظرون العيد بفارغ الصبر للحصول على العيديات والحلويات.

بعد الصلاة، يبدأ موسم التهاني والتبريكات بين الجيران والأقارب، في جو تسوده المحبة والود، و تجتمع العائلات حول مائدة الغداء الاحتفالية، وغالبًا ما يكون طبق المروزية المكناسية الشهير هو سيد المائدة، إلى جانب أطباق أخرى حسب العادات المحلية.

احتفالات عيد الفطر في مكناس
تبادل التهاني في عيد الفطر

وفي المساء، تخرج العائلات إلى الحدائق والمنتزهات، مثل بارك لالة عودة أو صهريج السواني، حيث يقضي الأطفال وقتهم في اللعب، ويستمتع الكبار بجو العيد العائلي الممتع في أحضان الطبيعة.

طقوس الزفاف التقليدي في مكناس: أصالة متوارثة عبر الأجيال

في مدينة مكناس، يحتل الزفاف التقليدي مكانة خاصة ضمن العادات الاجتماعية، حيث تنطلق التحضيرات قبل أسابيع من الموعد، و تشارك العائلتان والجيران في تجهيز العروس، بدءًا من الحمّام المغربي، مرورًا بالحناء، و وصولًا إلى تحضير جهاز العروس "الجهاز"، و كل تفصيلة تُنفذ بطقوس دقيقة تعكس عمق الروح الجماعية والانتماء للأصل.

يوم الزفاف يُفتتح بزفة العروس وسط "العمّاريات" و"الدفوف"، حيث ترتدي العروس "التكشيطة" المكناسية المطرزة يدويًا، بينما تصدح الأغاني التراثية، و يقام الحفل غالبًا في بيت العائلة أو في قاعة كبيرة يتم كرائها، ويستمر الحفل حتى ساعات متأخرة من الليل، في أجواء من البهجة و الفرح، تعكس ارتباط المجتمع المكناسي بتقاليد الأسلاف واحترامه لقيم الأسرة.

الصدقة الجماعية في عاشوراء: عادة مكناسية بطابع روحي وتضامني

من أبرز التقاليد الاجتماعية والروحية التي تميز مدينة مكناس خلال مناسبة الاحتفال بعاشوراء، عادة الصدقة الجماعية، التي تعبّر عن عمق التكافل المجتمعي والتلاحم الأسري بين السكان، و ينخرط فيها سكان الأحياء العتيقة والدواوير المحيطة بالمدينة، حيث يتعاون الجميع على جمع المواد الغذائية مثل الحبوب، الزيت، الخضر، والقديد، أو تقديم مساهمات مالية حسب الاستطاعة، بهدف إعداد أطباق مغربية أصيلة مثل الكسكس المغربي بالقديد والحريرة المكناسية التي تُوزع على المحتاجين والأسر الفقيرة.

يتم التحضير لهذا اليوم قبل حلوله بأيام، وتُقام طقوس جماعية في جو من التعاون والمحبة، و تتكلف النساء بإعداد الأطعمة والخبز التقليدي في الفُرن الجماعي، بينما يتولى الرجال والشباب مهام التنظيم والتوزيع، مما يرسّخ قيم المسؤولية والتضامن منذ سن مبكرة، وتُعد هذه المناسبة فرصة لصلة الرحم والتسامح، حيث تُذوب الخلافات وتُفتح البيوت أمام الضيوف والجيران.

لا تقتصر هذه العادة على البُعد الإنساني والخيري فحسب، بل تأخذ أيضًا طابعًا احتفاليًا ودينيًا عميقًا، حيث تُقرع الطبول التقليدية وتُضرب الدفوف، وتُنظم حلقات الذكر والابتهال في المساجد والزوايا، بمشاركة الأطفال والشيوخ على حد سواء، كما يُردّد الجميع الأناشيد الصوفية والأدعية في جو من الروحانية والبهجة، يعكس ارتباط أهل مكناس بالتراث الديني الأصيل، كما تُعتبر مشاركة الأطفال في التوزيع جزءًا مهمًا من التربية على القيم النبيلة، مما يعزز فيهم روح العطاء والانتماء إلى المجتمع.

هذه العادة المتجذرة في التاريخ المكناسي ليست مجرد تقليد موسمي، بل هي مرآة للقيم العريقة التي يتمسك بها سكان المدينة، وتجسد روح التضامن والتلاحم التي لطالما كانت جزءًا من الهوية الثقافية لمكناس، وهي أيضًا من التقاليد التي تسهم في الحفاظ على التراث الاجتماعي والديني، وتجعل من عاشوراء مناسبة متميزة في الذاكرة الجماعية لسكان مكناس.

خلاصة

مدينة مكناس بتاريخها العريق، تملك رصيدًا ثقافيًا غنيًا، ينعكس على عاداتها وتقاليدها المتوارثة أبًا عن جد، و التي تعد جزءا مهما من الحضارة و الهوية و و الأصالة  المغربية. 

ومع توفرها على معالم تاريخية، وبنيات تحتية متطورة (فنادق، مطاعم، طرق، منتجعات...)، فإنها تعد وجهة سياحية متميزة بالمملكة المغربية، حيث أن  زيارة مكناس ليست فقط لاكتشاف آثارها، بل أيضًا للانغماس في عاداتها وتقاليدها الفريدة التي تعكس أصالة المغرب.


ما رأيكم في عادات و تقاليد العاصمة الإسماعيلية؟ و هل سبق لكم حضورها؟ شاركونا تجاربكم و آرائكم من خلال التعليقات.
  المؤلف :   ل . رشيد
المؤلف : ل . رشيد
تعليقات