من عادة "سبعة حرائر" إلى طقوس رمضان والأعراس الصويرية… عادات متجذّرة تعكس هوية الصويرة وتاريخها المتنوع بين البحر والتراث.
![]() |
| منظر خلاب لمدينة الصويرة التاريخية التي تجسد توازنًا فريدًا بين الأصالة المغربية والروح الساحلية الهادئة |
تُعد مدينة الرياح "الصويرة" من المدن المغربية العريقة التي لا تزال تحافظ على تراثها الأصيل وعاداتها المتوارثة جيلاً بعد جيل، فأهل الصويرة معروفون بتشبثهم بثقافتهم المحلية وتمسكهم بتقاليدهم في مختلف المناسبات، سواء الدينية أو الاجتماعية.
العادات والتقاليد المرتبطة بالمناسبات الدينية
طقوس الاحتفاء بالطفل الصائم لأول مرة في رمضان
يُعد اليوم الذي يصوم فيه الطفل أول مرة في مدينة الصويرة مناسبة مميزة، و لها مكانة خاصة في نفوس الأسر الصويرية، إذ لا يُنظر إليه على أنه مجرّد حدث ديني، بل هو مرحلة رمزية في مسار نمو الطفل وانتقاله من عالم الطفولة إلى درب المسؤولية والالتزام.
وفي هذا اليوم، تعمّ أجواء من البهجة والسرور أرجاء البيت، حيث تتزين المائدة بالأطباق التي يحبها الطفل، من حلويات ومأكولات رمضانية تقليدية مثل الحريرة، الشباكية، والسفوف، ويُخصّص له مكان مميز يجلس فيه كأنه نال شرفًا عظيمًا.
تجتمع الأسرة حوله لتشجيعه على المثابرة وتحفيزه على الصبر، فيتلقى عبارات التشجيع والدعاء من والديه وأقاربه، مصحوبة بضحكات ومشاعر الفخر، وتُروى له قصص الأنبياء والصالحين في الصيام، لتُغرس في نفسه قيم الإيمان والتقوى والامتثال لله عز وجل.
وفي المساء، ترتفع نسمات الفرح أكثر مع أذان المغرب، فيتذوق أول جرعة ماء بعد يوم طويل من الصيام، وسط تصفيق الأسرة وتهانيهم له على صبره، وبعد الإفطار يرتدي لباسه التقليدي المغربي الأصيل، وغالبًا ما يكون جلبابًا أبيض أو "قندورة" صغيرة، ويذهب رفقة والده أو إخوته إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، فيشعر بالفخر والانتماء، ويزداد ارتباطه بشعائر دينه.
هكذا تتحول هذه المناسبة البسيطة إلى ذكرى خالدة في ذاكرة الطفل الصويري، تُرسّخ في وجدانه حب الصيام وروح رمضان، وتُعده ليكون فردًا مسؤولًا في مجتمعه، محافظًا على قيم دينه وتقاليده الأصيلة.
عادة "سبعة حرائر" المميزة في الصويرة
تُعرف هذه العادة القديمة باسم "سبعة حرائر"، وتُعد من أجمل وأشهر الطقوس الرمضانية التي تميّز مدينة الصويرة عن غيرها من المدن المغربية، وهي عادة تحمل في جوهرها رموزًا اجتماعية وروحية عميقة تعكس قيم التضامن، والمحبة، والجوار الطيب التي لا تزال متجذرة في المجتمع الصويري حتى اليوم.
في هذا اليوم المميز، تقوم أم الطفل الذي صام لأول مرة بتحضير طبق احتفالي خاص، يجمع بين سبع أنواع من الأطعمة المختلفة تُعرف محليًا باسم "الحرائر"، مثل الحريرة، الكسكس، الطاجين، أو أطباق حلوة مثل السفوف والشباكية، و
تُجمع هذه الأطعمة من عند سبع جارات مختلفات في الحي، بحيث تقدم كل واحدة منهن نوعًا مختلفًا، ثم تمزج الأم هذه الأطباق في طبق واحد متكامل، ثم يُقدّم لطفلها احتفاءً بصيامه الأول، في جوّ يملؤه الفرح والدعاء والبركة.
وترمز هذه الخطوة إلى الترابط الاجتماعي بين الجيران، وإلى التعاون والتكافل الذي يميز الأسر الصويرية، خاصة في شهر رمضان الذي يجمع بين العطاء والمشاركة.
![]() |
| مشهد رمضاني من الصويرة يجسد عادة “سبعة حرائر”، رمز الترابط والجوار الطيب الذي يميز الأسر المغربية خلال الشهر الفضيل |
وفي بعض القرى والمناطق المجاورة، تتخذ هذه العادة طابعًا رمزيًا أعمق، إذ يُقدَّم الفطور الأول للطفل فوق فوهة بئر أو عند الدرجات الأولى من درج البيت، في إشارة رمزية إلى أن الحياة تبدأ من الأسفل أي من نقطة الصفر بالصبر والمثابرة، وأن الوصول إلى القمة يحتاج إلى الاجتهاد والتدرج.
وفي ختام الاحتفال، يرتدي الطفل لباسه التقليدي المغربي، غالبًا جلبابًا أبيض أو "قندورة" أنيقة، ويُرافقه والده أو إخوته إلى المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح، وسط فرحة الأسرة والأقارب.
أما الفتيات اللواتي صمن أول يوم لهن، فتُزينهن أمهاتهن بأجمل الحلي والملابس التقليدية، ليشاركن في هذه اللحظة المميزة التي تبقى ذكرى جميلة متوارثة في الذاكرة الصويرية، تعبّر عن الاعتزاز بالهوية الدينية والاجتماعية لأهل المدينة.
طقوس وأجواء عيد الأضحى في الصويرة
ففي صباح يوم العيد، يتوجه الرجال والأطفال إلى المصلى لأداء صلاة العيد، ثم يتبادلون التهاني مع الجيران والأقارب في جو من الفرح والبهجة.
أما في اليوم الموالي فيتم تحضير طبق رأس الخروف المبخر و كدلك طبق التقلية المكونة من أحشاء الأضحية، و هي من ألد الأطباق الشعبية المغربية الشمهورة، ثم يُجفف جزء من اللحم ليُصنع منه القديد، إلى جانب إعداد الكرداس، وهو أحشاء ملفوفة بمصران الكبش ومجففة تحت أشعة الشمس لمدة أسابيع.
تقاليد العرس الصويري: مزيج من الثقافات
فالمدينة تمثل نقطة التقاء بين الحضارات الأندلسية، الأمازيغية، العربية، اليهودية، الإفريقية، والأوروبية، مما يمنح حفلات الزفاف طابعًا فنيًا خاصًا.
![]() |
| من أجواء الأعراس الصويرية التي تمزج بين الأمازيغي والعربي والأندلسي في لوحة من الفرح والهوية المغربية الأصيلة |
تتزين العروس بلباس أمازيغي تقليدي فاخر، وتُزف وسط الزغاريد والأنغام على هودجٍ تقليدي أصيل، وأحيانًا تركب الفرس في موكب احتفالي يخلّد الذاكرة الجماعية للمدينة.
أبرز العادات الصويرية حسب المناسبة
|
المناسبة |
أبرز
العادة المتوارثة |
الدلالة
الثقافية والاجتماعية |
|
رمضان |
"سبعة حرائر" |
ترسيخ روح
التعاون بين الجيران وغرس قيم الصيام لدى الأطفال |
|
عيد الأضحى |
إعداد
"القديد" و"الكرداس" |
حفظ اللحوم
بطريقة تقليدية واستحضار قيم الاقتصاد والتدبير |
|
الزفاف |
هودج
العروس ولباسها الأمازيغي |
الحفاظ على
الأصالة وتعدد الثقافات المحلية |
|
الولادة |
تجمع
النساء والأهل بالحناء والموسيقى |
التعبير عن
الفرح وتمني البركة للمولود الجديد |
|
الختان |
احتفال
عائلي مصغر وتوزيع الحلوى |
إدخال
الطفل في الطهارة والشعائر الدينية |
أهم ما يميز التقاليد الصويرية
- التلاحم الأسري والاجتماعي في كل مناسبة.
- التنوع الثقافي الذي يجمع بين عدة حضارات.
- حفاظ الأهالي على اللباس التقليدي والموسيقى التراثية.
- ارتباط الطقوس بالقيم الدينية والتربوية.
- استمرار نقل هذه العادات للأجيال الجديدة رغم تغير الزمن.
خلاصة
فبفضل موقعها الاستراتيجي ومعالمها التاريخية وسكانها الطيبين الذين لا يزالون متمسكين بتقاليدهم الأصيلة، تبقى الصويرة نموذجًا حيًا لمدينة جمعت بين الروح المغربية والعالمية في آن واحد.
ويُعد الحفاظ على هذه العادات مسؤولية مشتركة بين السلطات المحلية والمجتمع المدني والجمعيات الثقافية، لضمان استمرار هذا التراث الأصيل للأجيال القادمة.


