أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

عادات وتقاليد الريصاني: إرث مغربي عريق في جوهرة تافيلالت

رحلة في أصالة الريصاني: من العادات التقليدية إلى روح الأسرة الصحراوية

مناظر مدينة الريصاني بين النخيل والمنازل الطينية في تافيلالت
مشهد صباحي من الريصاني يبرز سحر الصحراء المغربية وعبق التاريخ

تُعدّ مدينة الريصاني، جوهرة تافيلالت و مهد الأسرة العلوية الشريفة في المغرب، واحدة من المدن المغربية التي ما تزال تحتفظ بتقاليدها الأصيلة وعاداتها العريقة.

يمتزج في هذه المدينة عبق التاريخ بنكهة التمور الطازجة وروح الضيافة الصحراوية، لتمنح زوارها تجربة فريدة تعكس عمق الهوية المغربية في أبسط تفاصيل الحياة اليومية.

ولا تقتصر عادات الريصاني على المناسبات الكبرى فحسب، بل تمتد إلى تفاصيل الحياة الاجتماعية والاحتفالات الدينية التي تجسد روح التكافل والتآخي.

فمن طقوس الزواج والخطبة إلى أجواء الأعياد، تبقى الريصاني مدينة تُعبّر عن الوفاء للتقاليد مع انفتاح هادئ على الحداثة.

أجواء عيد الأضحى المبارك في مدينة الريصاني

في صباح يوم عيد الأضحى، يستيقظ السكان باكرًا استعدادًا ليوم مميز يجمع العائلة والفرح، ثم يتوجه الرجال، وأحيانًا رفقة أبنائهم الصغار، إلى المصلى لأداء صلاة العيد وسط أجواء روحانية تغمرها التكبيرات.

وبعد العودة إلى منازلهم، تبدأ التهاني والزيارات العائلية فيما بينهم، ثم يشرع ربّ الأسرة بمساعدة أبنائه و اخوته في نحر الأضحية، وغالبًا تكون الأضحية خروف أو كبش كبير من صنف “الدمّان” المشهور في المنطقة و المعروف بجودة لحومه الطبيعية.

و بعد الانتهاء من تحضير الأضحية وتنظيفها، تُعدّ النساء الفرن التقليدي "المجمر" ويتم تقطيع الكبد و لفه بشحوم أحشاء الأضحية فيما يُعرف بـ "بولفاف"، ويبعد أن يطبخ يُقدَّم مع الشاي المنعنع وسط أجواء مفعمة بالمحبة والبهجة.

يجلس أفراد العائلة حول المائدة في جلسة دافئة يتبادلون فيها الأحاديث و استحضار الذكريات و تعلو الضحكات العفوية الصادقة بينهم في جو حميم رائع، بينما يفرح الأطفال بملابسهم الجديدة ويستمتعون بمذاق أول وجبة من لحم الأضحية.

طريقة تحضير "الكرداس" في الريصاني

بعد وجبة الغداء وتنظيف المكان، تبدأ النساء في إعداد اللحم المجفف أو ما يُعرف بـ "القديد"، وخصوصًا "الكرداس" أو "تيكورداسين" حسب الكلمة المشهورة محليًا، و يُحضّر هذا الطبق من أحشاء الأضحية التي تُتبّل وتُملّح ثم تُلفّ بأجزاء من المعيّ الرقيق، وتُنشر تحت أشعة الشمس لمدة أسبوع أو أكثر حتى تجف تمامًا وتصبح صلبة.

بعد ذلك يتم تخزينها بعناية لاستخدامها في المناسبات المقبلة أو لتقديمها للضيوف عند الحاجة، مما يعكس روح التدبير والاقتصاد التي تميّز نساء المنطقة.

نساء من الريصاني يُحضّرن الكرداس بطريقة تقليدية
مشهد واقعي  يُبرز مهارة النساء في إعداد الكرداس في الريصاني

متى يتم إعداد "الكرداس" في الريصاني؟

يُعدّ عيد الأضحى هو المناسبة الأبرز لتحضير "الكرداس"، لكن هناك احتفالات أخرى يُقدَّم فيها هذا الطبق الشعبي، أبرزها مناسبة عاشوراء.

في صباح عاشوراء، تُحضّر كل أمّ سلة صغيرة لطفلها تحتوي على قطعة "كرداسة"، مع بيضة، وقطعة حلوى، وحمص، و بعدها يتجمع الأطفال في مدخل "القصر" ليتفاخر كل واحد بما أعدته له والدته، ويتبادلون الأطعمة في طقس يعرف بـ "الدواقة"، قبل أن يعودوا إلى منازلهم لتناول وجبة الغداء التي تكون غالبًا عبارة عن طبق الكسكس المغربي بالكرداس.

أهم المناسبات والعادات المرتبطة بالكرداس في الريصاني

المناسبة

نوع الوجبة

الطقوس المصاحبة

عيد الأضحى

إعداد الكرداس والقديد

 تحضير بولفاف، تخزين الكرداس

عاشوراء

كسكس بالكرداس

إعداد سلال للأطفال، تبادل “الدواقة

المناسبات العائلية

تقديم الكرداس للضيوف

تعبير عن الكرم والضيافة

مراحل إعداد الكرداس في مدينة الريصاني

  • يُحضّر بطرق تقليدية خالصة باستخدام أدوات محلية.
  • يُجفف تحت شمس تافيلالت القوية مما يمنحه طعمًا فريدًا.
  • يُستخدم الملح الطبيعي بدل المواد الصناعية للحفظ.
  • يُعتبر رمزًا للتراث الغذائي الأمازيغي الصحراوي.
  • يُقدَّم غالبًا في المناسبات كعلامة على الكرم العائلي.

اللحم المجفف في المغرب: عادة مشتركة بروح محلية

لا تقتصر عادة إعداد القديد والكرداس على الريصاني وحدها، بل تنتشر في مختلف مناطق المغرب، فهي واحدة من العادات المغربية المتوارثة عن الأسلاف، فقد كان الأجداد من قبل يعتمدون على تجفيف اللحم وتمليحه كوسيلة طبيعية للحفاظ عليه قبل ظهور وسائل التبريد الحديثة.

وتبقى هذه العادة جزءًا من التراث الغذائي المغربي العريق الذي يجمع بين الحكمة القديمة والذوق الرفيع.

عادات أخرى في الريصاني

الألعاب الشعبية والفعاليات التراثية للأطفال في الريصاني

تولي مدينة الريصاني اهتمامًا كبيرًا بتنظيم الألعاب الشعبية لفائدة الأطفال خلال المناسبات الدينية والعطل، حيث تُقام سباقات الجري والمنافسات التقليدية في ساحات المنازل أو الأزقة الواسعة، حيث يشارك الصغار في هذه الفعاليات بملابسهم التقليدية، وتعلو ضحكاتهم أجواء المدينة لتعكس فرح العيد وحيوية المجتمع المحلي.

كما تُقدَّم للطفل جوائز رمزية بسيطة مثل الحلويات المحلية أو قطع من الكرداس، في تجربة تعليمية تجمع بين اللعب وتقدير التراث، ويُعتبر هذا النشاط فرصة لتعريف الأجيال الجديدة على قيم التعاون، التنافس الشريف، واحترام العادات الأصيلة، مع تعزيز الروابط الاجتماعية بين العائلات والجيران.

اللباس التقليدي في الريصاني: رمز الأصالة والهوية الأمازيغية

يحافظ سكان الريصاني على ارتداء اللباس التقليدي الأصيل الذي يعكس تاريخ المنطقة وثقافتها الأمازيغية والعربية العريقة، حيث أن الرجال يرتدون "الجلابة" و"البرنوس" المصنوعين من الصوف الطبيعي بطريقة يدوية تقليدية، وغالبًا ما يُكملون مظهرهم بـ"العمامة الصحراوية" التي تحميهم من حرارة الشمس ورمال الصحراء.

أهل الريصاني باللباس التقليدي الأمازيغي في المغرب
مشهد يعكس أصالة الهوية الثقافية للريصاني من خلال اللباس التقليدي الأمازيغي العريق

أما النساء، فيحرصن على ارتداء "الملحفة" أو "التاكشوط" المزيّنة بالنقوش الفضية والزخارف المطرّزة يدويًا، مع حُليّ تقليدية مصنوعة من الفضة والأحجار الكريمة، ولا يقتصر اللباس على الزينة فقط، بل يُعدّ جزءًا من هوية الريصانيين الذين يرونه عنوانًا للفخر والانتماء إلى أرضهم وثقافتهم.

خلاصة

تبقى مدينة الريصاني من المدن المغربية التي لا تزال تحافظ على عاداتها و تقاليدها رغم تغير الزمن، متشبثة بثقافتها العريقة التي تجسد روح تافيلالت الأصيلة التي تعتبر مهد الأسرة العلوية الحاكمة في المغرب مند قرون.

وتعكس هذه التقاليد و العادات تنوّع ثقافة المنطقة وعمق ارتباط سكانها بتاريخهم الممتد عبر الزمن، حيث يلتقي الماضي بالحاضر في لوحة من البساطة والكرم والأصالة.

في الريصاني، لا تموت العادات القديمة، بل تتجدد في كل عيد ومناسبة، لتبقى شاهدة على حضارة متجذرة في عمق الصحراء المغربية وذاكرة لا تُنسى من تراث الوطن.

💬 شاركنا رأيك!

هل أعجبتك عادات وتقاليد مدينة الريصاني الفريدة؟ شاركنا في التعليقات تجربتك مع هذه التقاليد أو أي عادات مماثلة تعرفها من مدينتك. نحب أن نسمع قصصك وآرائك لتغدو المقالات أكثر ثراءً وحيوية بمساهمتك!

ل . رشيد
ل . رشيد
تعليقات