اكتشف عادات تارودانت وطقوسها الشعبية التي تحافظ على روح الأصالة المغربية
تُعدّ مدينة تارودانت من أعرق المدن المغربية، تتميز بأصالتها وعمقها التاريخي الذي يمتد عبر القرون، و يُطلق عليها لقب "مراكش الصغيرة" لما تشترك فيه مع المدينة الحمراء من ملامح معمارية متقاربة، سواء في اللون أو الطابع الهندسي التقليدي الذي يعكس روح المدن العتيقة في الجنوب المغربي.
![]() |
| أناقة نساء تارودانت بلباس الحايك هي تعبير عن الأصالة والحشمة في قلب المدينة التاريخية |
وتُحيط بالمدينة أسوار شامخة تحفظ عبق الماضي، فيما تتشابك أزقتها الضيقة وبناياتها القديمة لتروي قصص الأجداد، وبفضل هذا الإرث العريق، ما زالت تارودانت محافظة على العديد من العادات والتقاليد الأصيلة التي تُعبّر عن عمق هويتها وثقافتها المحلية.
العادات و التقاليد الفريدة الخاصة بمدينة تارودانت
اللباس التقليدي النسائي "الحايك"
يعتبر الحايك الدي هو عبارة عن قطعة ثوب يشكل لباسا نسائيا، يعرف محليا ب "ايزار" ، و لهدا الزي التقليدي رمزية كبيرة و مكانة خاصة عند نساء تارودانت، خاصة النساء المتقدمات في السن اللواتي تتشبثن بارتدائه بشكل شبه يومي لا سيما عند الخروج من البيت الى السوق أو النزهة أو غير دلك، و يمنحهن أناقة و جمالا و وقارا و حشمة، خاصة أنه يغطي كل الجسم من الرأس الى القدمين.
أجواء شهر رمضان المبارك بمدينة تارودانت
في هدا الشهر المبارك تقوم نساء تارودانت بمساعدة بناتهن و أطفالهن و تعاونهم جميعا في جو بهيج في تحضير أنواع من الحلوى المعروفة بارتباطها بالشهر الفضيل من قبيل "الشباكية"، "سلو"، "الفقاص"، "البريوات" ....

تجمع الصورة بين دفء الأجواء الرمضانية و المحبة بين أفراد الأسرة المغربية الأصيلة
مائدة الإفطار الخاصة بالشهر الفضيل متنوعة بكل أنواع الأكل الشهي، مع ضرورة حضور الحريرة و الحليب و الثمر ... إضافة الى أطباق أخرى تختلف حسب رغبة و شهية كل أسرة، و بعد الإفطار يتوجه الرجال و النسوة رفقة أطفالهم الى المسجد لأداء صلاة التراويح في جو روحاني مهيب.
تستمر أجواء رمضان الروحانية الى غاية ليلة القدر التي يتم خلالها الاحتفال بها بكل مظاهر التعبد و تتميز بإعداد البخور و المسك .... و الصلاة في المساجد الى الفجر.
في يوم عيد الفطر و بعد صلاة العيد يتبادل الجيران و الأقارب التهاني و الزيارات، و يرتدي الأطفال ملابسهم الجديدة فرحين مسرورين، أما الطبق الأغلب في هده المناسبة فهو "الرفيسة" لا سيما ان كان بالإمكان توفير ديك "بلدي" و يجتمع كل أفراد الأسرة حول مائدة الغداء في جو بهيج مما يساعد في تقوية أواصر المحبة بينهم.
الأعراس بمدينة تارودانت لها خصوصياتها المميزة
تعد العادات الخاصة بالأعراس بهده المنطقة الغالية من أهم ما يميزها، فالأوساط المحافظة و لا سيما القروية منها لاتزال محافظة على التقاليد القديمة المتوارثة عن الأجداد.
في الخطوبة يحضرون الى منزل العروس محملين بهدايا على الصيغة التقليدية الأصيلة، و تتمثل في تقديم لباس مع نعل يعرف باسم "الشربيل" و كمية من الدقيق، و عدد من وحدات السكر، مع وحدات من الزيت....، و عند الموافقة على العريس تنتعل العروس "الشربيل" كدلالة على قبولها، فيتم الاتفاق على موعد الزفاف و قيمة الصداق و ينصرف كل الى حاله لتحضير العرس.
قبل أيام من موعد العرس تقوم نسوة "المدشر" بمساعدة عائلتي العروسين في تحضير الحبوب لطحنها، و اعداد كل مستلزمات الحفل، و تقوم العروس بالحناء وسط جمع من بنات الدوار و صديقاتها تيمنا منها بزواجهن هن الأخريات وسط أهازيج شعبية و زغاريد، ثم بعد دلك ترافق الصديقات كلهن العروس الى الحمام.
في حفل الزفاف يحضر الأقارب و الجيران و يشاركون العرسان فرحتهم، و تنشط العرس فرق موسيقية شعبية محلية فارقص النسوة و الأطفال في جو يطبعه الفرح و السرور، بعد دلك يتم نقل العروسة الى بيت زوجها على ظهر "فرس" أو "بغل"، و تكون بلباس الحايك السابق الدكر مع نعل "الشربيل"، فيستقبلها العريس ببيت عائلته بالحليب، و يتم حمل العروس من طرف أحد أقاربها الى الداخل بغرفة مخصصة لها، و بوصوله يضعها أرضا فتتقدم برجلها اليمنى ثم يقوم بكشف الغطاء عن وجهها و يفر بسرعة تفاديا لضربه بالنعال من طرف النسوة الحاضرات هناك كعادة لديهم.
يستمر العرس وسط الأهازيج و الأغاني المحلية الشعبية من قبيل "أحواش"، و "الروايس"، كما يتخلل الحفل تقديم وجبة العشاء التي عادة تكون عبارة عن طبقين أولهما "دجاج محمر" و الثاني "لحم بالبرقوق و اللوز" و فواكه، و كؤوس من الشاي و الحلوى على طول فترة الحفل، لينتهي الحفل ب "الدخلة" التي تتم بشكلها التقليدي ليليها في صبيحة اليوم الموالي اشهار قماش أبيض به نقط "دم" كدليل على عفة العروس.
لباس "بوجلود" الأمازيغي الأصيل بمناسبة عيد الأضحى
ان أجواء عيد الأضحى تعد من المناسبات المميزة بكل ربوع المملكة، فيما يخص أجواءه و أفراحه لاسيما من خلال تبادل الزيارات بين الأقارب و الجيران، و أداء صلاة العيد ب "المصلى"، ثم نحر الأضحية، و سلخها من طرف رجال الأسرة و مشاركة أبنائهم ، و بعد الانتهاء يتجمع الكل حول مائدة الغداء، و يتناولون قطع الكبد الملفوف بالشحم ما يعرف ب "بولفاف" مع كؤوس الشاي، وسط جو مرح و في انسجام تام بين أفراد الأسرة، مما يساهم في توثيق العلاقات و صلة الرحم و المحبة و الاخاء.

مشهد نابض بالحياة من مهرجان بوجلود الأمازيغي بتارودانت، حيث تمتزج الفنون الشعبية بالفرح الجماعي الأصيل
ما يميز تارودانت و أغلب مناطق سوس" في هده المناسبة الكريمة هو الاحتفالات التي تقام بعد انتهاء مراسيم العيد و الغداء، حيث يقوم الشباب بإعداد لباس "بوجلود " من جلود الأضاحي خصوصا تلك الخاصة بالماعز، و يقومون بارتدائها و الخروج للاحتفال في جماعات مبتهجين تحت أنغام الموسيقى الأمازيغية والشعبية الرائعة، و يجسدون رقصات فنية جميلة غاية في الدقة و التنسيق.
عادات و تقاليد متشابهة مع باقي مناطق المملكة
إضافة الى ما سلف دكره فان مدينة تارودانت تعرف عدة عادات و تقاليد أخرى تتشابة فيها مع أغلب المدن و القرى المغربية، كحفل الختان، أو ما يعرف ب "العقيقة"، أو "السبوع" ، و "التخريجة" بالنسبة لطلبة القرآن الدين يحفظون الدكر الحكيم كاملا كمناسبة لتكريمهم و الاحتفال بهم كمتخرجين ........ و غير دلك من العادات و التقاليد الأخرى.
خلاصة
تبقى هده المدينة التاريخية الرائعة الملقبة ب "مراكش الصغيرة"، من المناطق المتشبثة بعاداتها و تقاليدها الأصيلة، كدليل على أصالتها و غنى و تنوع ثقافتها و حضارتها الأصيلة .
مدينة تارودانت عريقة تضم العديد من المعالم مما جعلها وجهة سياحية مفضلة للعديد من السياح، و هي حقا تستحق الاستكشاف و التعرف على هذه العادات الفريدة.
